القائمة الرئيسية

الصفحات

عيد مليوني محاصَر في غزة.. أضاحٍ للتصوير فقط!



تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفاقم الأزمات المعيشية، على رأسها الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، كانا كفيلين بأن يردا الستيني "ياسين العيساوي" عن إحياء السنة النبوية في عيد الأضحى المبارك، الذي اعتاد منذ سنوات طويلة على أن "يُصلي لربه وينحر".

هذا العام عاد "العيساوي" إلى منزله الكائن في حي الشيخ رضوان، غرب مدينة غزة، خالي اليدين ولم يستطع الإجابة عن أسئلة أحفاده الذين التفوا حوله وسألوه "وين الخاروف يا جدي؟"، ففضل أن يستمر في السير حتى وصل إلى غرفته وأغلقها على نفسه، وترك أحفاده حائرين وينتظرون الإجابة.

"العيساوي" ذهب إلى سوق الحلال (المواشي)، الجمعة الماضية، على أمل أن يجد أضحية صغيرة وبثمن معقول لا تتجاوز الـ700 شيقل (أقل من 200 دولار) التي يملكها، ليكمل بها 33 عاماً قضاها وهو يصلي لربه وينحر، لكن ارتفاع أسعار الأضاحي وقلة الإمكانيات المادية التي بين يديه، منعته من ذلك.

فرحة العيد.. غابت
"العيساوي" يعتبر أن الأضحية بالنسبة له ولعائلته وخاصة أحفاده عنواناً لفرحة غيبتها أزمات الحياة وقسوة الحصار.

ويقول لـ"الخليج أونلاين": "32 عاماً وأنا ملتزم مع أسرتي أن أصلي لربي وأنحر، ولكن هذا العام كان قاسياً جداً علينا جميعاً، وأعتقد إنني سأصلي فقط ولن أنحر".

ويضيف "العيساوي" الذي اعتاد أن يضحي أمام منزله ويتجمع حوله كل أطفال المنطقة: "هذا العام لن أضحي ولن أشاهد فرحة الأطفال وهم يشاهدونني وأنا أذبح الأضحية أمام منزلي، فالأوضاع المادية لم تسمح لي بأن أكمل إحياء السنة النبوية في عيد الأضحى المبارك، والحصار نجح في أن يسرق فرحتنا".

ويلفت إلى أن الأزمات التي يعيشها سكان قطاع غزة كبيرة وتتفاقم يوماً بعد يوم، وخاصة أزمة الكهرباء التي تصل المنازل 3 ساعات فقط وتقطع 21 ساعة، والتي دفعت الكثير من المواطنين إلى هجر ذبح الأضحية خوفاً من فسادها في ظل حرارة الصيف المرتفعة، إضافة إلى أسباب أخرى كالارتفاع الجنوني لأسعار الأضاحي وسوء الأحوال المادية لسكان غزة.

منزل "العيساوي" ليس وحده الذي منع الحصار والأزمات فرحة العيد من دخوله، فالأربعيني "محمد حسونة" (موظف في السلطة الفلسطينية) قرر سلفاً أن لا يشتري الأضحية بسبب تردي الوضع المالي، وتلقيه 300 شيقل من قيمة راتبه الشهري المكون من 2350 شيقلاً، بسبب العقوبات المفروضة على موظفي قطاع غزة.

ويقول حسونة لـ"الخليج أونلاين": "لم يعد باستطاعتنا شراء أي أضحية للعيد حتى لو كانت صغيرة الحجم؛ فالوضع المالي والاقتصادي الذي يعيشه كل الموظفين بغزة متدهور للغاية، وجعلنا فقط نأتي ونشاهد الأضاحي من بعيد".

لكنه اصطحب أفراد أسرته لسوق بيع الأضاحي قائلاً: "أردت أن أُعيّش أطفالي أجواء العيد، وأن يلتقطوا فقط صور السيلفي مع الأضاحي ومن ثم نعود للمنزل، ولا أكثر من ذلك"، مؤكداً أن مرارة الحياة وقسوتها أجبرتاهم على مشاهدة الأضاحي دون شرائها، معتبراً ذلك من أخطر المشاعر وأقساها.

ويعاني المواطنون في قطاع غزة من ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي دخل عامه الثالث عشر، بالإضافة إلى الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على القطاع منذ مارس 2017، والمتمثلة في اقتطاع نحو 50% من قيمة رواتب الموظفين، في الوقت الذي لا تصرف فيه حكومة غزة سوى 40% من رواتب موظفيها، إلى جانب تعطّل عشرات الآلاف من الشبان عن العمل.

قسوة الأوضاع التي يمر بها المواطنون بغزة امتدت لتطال تجارها وأسواقها؛ فتاجر المواشي "فتحي العرابيد" أكد أن هذا العام هو الأسوأ من ناحية الحركة الشرائية بأكملها، وكان كارثياً بكل المقاييس.

وقال لـ"الخليج أونلاين": "لم نتوقع في يوم من الأيام أن تصل بنا الأحوال الاقتصادية لهذا الوضع الكارثي والخطير، فهذا الموسم نحن نعرض الأضاحي بأنواعها المختلفة، لكن للأسف لا نجد من يشتري، وكل المواطنين يسألون عن السعر ويلتقطون الصور فقط".

وأرجع التاجر انعدام القدرة الشرائية للمواطنين للأوضاع الاقتصادية القاسية والصعبة التي يعانون منها منذ 12عاماً من عمر الحصار المشدد المفروض عليهم، مؤكداً أن المواطنين عزفوا تماماً عن شراء الأضاحي، و"نحن كتجار ماشية تكبدنا خسائر مالية كبيرة للغاية وقد نلجأ للبيع بالخسارة".

مدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بغزة، طاهر أبو حمد، أكد بدوره أن موسم الأضاحي هذا العام "يُعد الأضعف" في الإقبال على الشراء مقارنة بالأعوام الماضية".

وقال: "هناك تراجع في شراء الأضاحي هذا العام بنسبة 40% بسبب تردي الوضع الاقتصادي في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن معظم من كانوا يُقبلون على الأضاحي خلال الأعوام الماضية "عزفوا" هذا العام عن الشراء؛ بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه القطاع، نتيجة استمرار الحصار.

وأوضح أبو حمد أن ارتفاع الأسعار عالمياً، إلى جانب تردي الوضع الاقتصادي في غزة، ساهما بشكل كبير في تراجع المواطنين عن شراء الأضحية، لافتاً إلى أن الكميات المتوفرة في قطاع غزة من العجول والأغنام، والتي تعد الأقل وفرة مقارنة بالأعوام الماضية، تكفي لسد احتياج المواطنين.

وبين أبو حمد أن أسعار كيلو العجول بمختلف أنواعها تتراوح ما بين 17 و19 شيقلاً إسرائيلياً، في حين أن كيلو الأغنام تتراوح أسعاره ما بين 4 و5 دنانير أردنية، وهي أسعار عالية جداً مقارنة بالأعوام الماضية، في ظل ظروف الحصار وعدم قدرة الناس على الشراء.

وزارة الزراعة في غزة ذكرت أن عدد العجول المستوردة للقطاع منذ بداية العام لم تتجاوز الـ (17000) رأس من العجول والأبقار، لافتاً إلى أنها كمية قليلة بالنسبة للأعوام الماضية التي كانت تشهد أكثر من (30000) عجل.

وأكدت أن الإقبال على الأضاحي هذا العام ضعيف بشكل كبير، مشيرةً إلى ارتفاع أسعار الأضاحي لهذا العام، وأرجعت ارتفاع أسعار الأضاحي إلى انتشار مرض الحمى القلاعية في رومانيا، مشيرة إلى أن استيراد المواشي يكون من البرتغال عبر "إسرائيل" بعد أن منع الاحتلال الاستيراد من رومانيا.

الجدير ذكره أن المحال التجارية في قطاع غزة تشهد، خلال فترة عيد الأضحى، حالة من الركود الاقتصادي تسببت في إفلاس عدد من التجار وإغلاق محالهم التجارية، في حين عمد آخرون إلى تغيير البضائع التي يبيعونها بأخرى أكثر رواجاً.

وبحسب رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، جمال الخضري، فإنّ معدل دخل الفرد اليومي في قطاع غزة دولاران، في حال وجد، وهو الأسوأ عالمياً، في حين ارتفعت نسبة الفقر إلى نحو 85%، بسبب تشديد الحصار واستمرار الإغلاق شبه الكامل لمعبر كرم أبو سالم لليوم الـ36 على التوالي.

وأكد الخضري أن نحو 62% نسبة البطالة في صفوف الشباب، في حين أن 350 ألف عامل مُعطل عن العمل بشكل دائم بسبب الحصار المستمر منذ اثني عشر عاماً.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات